[size=24]
[size=24]
[b]بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
_______________________________________
هنا أيّها الأحبة نتطرق لموضوع ٍ مهم جدا ً ، حيث منه تتفرع الكثير من الأسئلة العقديّة ، ألا وهو موضوع العصمة ، والتي يظهر من كلمات المتكلمين أنّها موهبة إلهية ، يتفضّل بها سبحانه وتعالى على من يشاء من عباده ، بعد وجود أرضيات صالحة في نفس المعصوم وقابليات مصححة لإفاضتها عليهم .
وفي هذا الجانب يقول الشيخ المفيد " رض " : ( العصمة تفضُّل ٌ من الله على من علم أنّه يتمسّك بعصمتِه ) " 1 "
وقال السيد المرتضى " رض " : ( العصمة لطف ُ الله الذي يفعله تعالى ، فيختار العبد عنده الإمتناع عن فعل القبيح ) " 2 "
وفي الآيات القرآنية الكريمة تلميحات وإشارات إلى ذلك ، مثل :
قوله سبحانه : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنّا أخلصانهم بخالصة ٍ ذكرى الدار * وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا لكفل وكل ٌّ من الأخيار ) " 3 "
وقوله سبحانه : ( ولقد اخترناهم على علم ٍ على العالمين ، وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء ٌ مبين ) " 4 "
والضمير يرجع إلى أنبياء بني إسرائيل .
فإن ّ قوله : ( إنّهم لمن المصطَفَيْن َ الأخيار ) ، وقوله : ( ولقد اخترناهم على علم ٍ على العالمين ) ، يدلان على أن ّ النبوة والعصمة وإعطاء الآيات لأصحابها ، من مواهب الله سبحانه للأنبياء ومن ْ يقوم مقامهم من الأوصياء ، وإذا كانت موهبة منه ، فلا تُعَد ُّ كمالا ً ومفخرة للمعصوم ، فتعود كصفاء اللؤلؤ ، لا يستحق عليه حمدا ً وتحسينا ً ، لأن ّ الحمد والثناء إنما يصحّان للفعل الإختياري ، لا لما هو خارج عن الإختيار ، والفرض أن ّ المعصوم وغيره في هذا المجال سواء ، لأن ذاك الكمال لو أفِيض على فرد آخر لكان مثلَه .
جوابـــُـــه : ــ
إن ّ العصمة الإلهية لا تُفاض على المعصوم إلا بعد وجود أرضيات صالحة في نفسه ، تقتضي تلك الموهبة إليه ، وأمّا ما هي تلك الأرضيات ، والقابليات فخارج عن موضوع البحث ، غير أنّا نشير إليها إجمالا ً .
إن ّ القابليات التي تسوّغ نزول الموهبة الإلهية على قسمين :
قسم خارج عن اختيار المعصوم ، وقسم واقع في إطار إرادته واختياره .
أمّا الأول ــ فهو عبارة عمّا ينتقل إلى النبي من آبائه وأجداده عن طريق الوراثة ، فإن ّ في ناموس الطبيعة والخلقة أن الأبناء يرثون ما في الآباء من الصفات الظاهرية والباطنية ،
فالشجاع يلد شجاعا ً ، والجبان جباناً .
وإضافة إلى ذلك ، فإن ّ هناك عاملا ً آخر لتكوُّن تلك القابليات
في النفوس هو عامل التربية ، والأنبياء يتلقون الكمالات الموجودة في بيوتاتهم في ظل هذين العاملين ، فيكوّن ذلك في أنفسهم الأرضية الصالحة لإفاضة المواهب عليهم ، ومنها العصمة والنبوة .
وأمّا الثاني ــ فهو عبارة عن المجاهدات الفردية والإجتماعية التي يقوم بها رجالات الوحي من أوائل شبابهم إلى أواخر كهولتهم ، من العبادة والرياضات النفسية إلى مقارعة الطغاة والظالمين ، كما في إبراهيم حين قام على الرغم من صغر سنه ، وكما في يوسف في بيت من تملّكه ، وكما في موسى في مصر الفراعنة ، والمسيح في بني إسرائيل ـ عليهم السلام أجمعين ـ وكما في النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ في عامة فترات حياته .
فهذه العوامل الداخل بعضها في الاختيار ، والخارج بعضها الآخر عنه ، أوجدت مجتمعة في الأنبياء القابلية لإفاضة وصف العصمة عليهم ، فتكون العصمة عند ذاك مفخرة ً للمعصوم ، يستحق عليها التحسين والتبجيل .
يقول العلامة الطباطبائي : ( إن الله سبحانه خلق َ بعض َ عباده على استقامة الفطرة واعتدال الخِلقة ، فنشؤا من باديء الأمر بأذهان وقّادة ، وإدراكات صحيحة ، ونفوس طاهرة ، وقلوب سليمة فنالوا بمجرد صفاء الفطرة وسلامة
النفس ، من نعمة الإخلاص ، ما ناله غيرهم بالاجتهاد والكسب ، بل أعلى وأرقى ، لطهارة داخلهم من التلوّث بأوساخ الموانع والمزاحمات . والظاهر أن ّ هؤلاء هم المُخلَصُون لله في مصطلح القرآن .
وقد نص ّ القرآن الكريم على أن الله اجتباهم أي خلَقهُم ، قال تعالى : ( و اجتبيناهم وهديناهم إلى صراط ٍ مستقيم ) " 5 "
وقال : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) " 6 " ) " 7 "
وما جاء في كلامه يشير إلى القابليات الخارجة عن الإختيار ، ولكن قد عرفنا أنّ هناك مقدّمات واقعة في اختيارهم فإذا انضمّت تلك إلى هذه ، تتحقّق الصلاحية المقتضية لإفاضة الموهبة الإلهية .
هذا وهنالك أجوبة أخرى على هذا التساؤل الذي يطرح نفسه على أذهان الكثيرين منّا .
وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين
( 1 ) تصحيح الاعتقاد ، ص 61 .
( 2 ) أمالي المرتضى ، ج 1 ، ص 148 .
( 3 ) سورة ص : الآيات 45 ــ 48 .
( 4 ) سورة الدخان : الآيتان 32 و 33 .
( 5 ) سورة الأنعام : الاية 87 .
( 6 ) سورة الحج : الآية 78 .
( 7 ) الميزان ، ج 11 ، ص 177 .
[/b][size=24]
[b]بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
_______________________________________
هنا أيّها الأحبة نتطرق لموضوع ٍ مهم جدا ً ، حيث منه تتفرع الكثير من الأسئلة العقديّة ، ألا وهو موضوع العصمة ، والتي يظهر من كلمات المتكلمين أنّها موهبة إلهية ، يتفضّل بها سبحانه وتعالى على من يشاء من عباده ، بعد وجود أرضيات صالحة في نفس المعصوم وقابليات مصححة لإفاضتها عليهم .
وفي هذا الجانب يقول الشيخ المفيد " رض " : ( العصمة تفضُّل ٌ من الله على من علم أنّه يتمسّك بعصمتِه ) " 1 "
وقال السيد المرتضى " رض " : ( العصمة لطف ُ الله الذي يفعله تعالى ، فيختار العبد عنده الإمتناع عن فعل القبيح ) " 2 "
وفي الآيات القرآنية الكريمة تلميحات وإشارات إلى ذلك ، مثل :
قوله سبحانه : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنّا أخلصانهم بخالصة ٍ ذكرى الدار * وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا لكفل وكل ٌّ من الأخيار ) " 3 "
وقوله سبحانه : ( ولقد اخترناهم على علم ٍ على العالمين ، وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء ٌ مبين ) " 4 "
والضمير يرجع إلى أنبياء بني إسرائيل .
فإن ّ قوله : ( إنّهم لمن المصطَفَيْن َ الأخيار ) ، وقوله : ( ولقد اخترناهم على علم ٍ على العالمين ) ، يدلان على أن ّ النبوة والعصمة وإعطاء الآيات لأصحابها ، من مواهب الله سبحانه للأنبياء ومن ْ يقوم مقامهم من الأوصياء ، وإذا كانت موهبة منه ، فلا تُعَد ُّ كمالا ً ومفخرة للمعصوم ، فتعود كصفاء اللؤلؤ ، لا يستحق عليه حمدا ً وتحسينا ً ، لأن ّ الحمد والثناء إنما يصحّان للفعل الإختياري ، لا لما هو خارج عن الإختيار ، والفرض أن ّ المعصوم وغيره في هذا المجال سواء ، لأن ذاك الكمال لو أفِيض على فرد آخر لكان مثلَه .
جوابـــُـــه : ــ
إن ّ العصمة الإلهية لا تُفاض على المعصوم إلا بعد وجود أرضيات صالحة في نفسه ، تقتضي تلك الموهبة إليه ، وأمّا ما هي تلك الأرضيات ، والقابليات فخارج عن موضوع البحث ، غير أنّا نشير إليها إجمالا ً .
إن ّ القابليات التي تسوّغ نزول الموهبة الإلهية على قسمين :
قسم خارج عن اختيار المعصوم ، وقسم واقع في إطار إرادته واختياره .
أمّا الأول ــ فهو عبارة عمّا ينتقل إلى النبي من آبائه وأجداده عن طريق الوراثة ، فإن ّ في ناموس الطبيعة والخلقة أن الأبناء يرثون ما في الآباء من الصفات الظاهرية والباطنية ،
فالشجاع يلد شجاعا ً ، والجبان جباناً .
وإضافة إلى ذلك ، فإن ّ هناك عاملا ً آخر لتكوُّن تلك القابليات
في النفوس هو عامل التربية ، والأنبياء يتلقون الكمالات الموجودة في بيوتاتهم في ظل هذين العاملين ، فيكوّن ذلك في أنفسهم الأرضية الصالحة لإفاضة المواهب عليهم ، ومنها العصمة والنبوة .
وأمّا الثاني ــ فهو عبارة عن المجاهدات الفردية والإجتماعية التي يقوم بها رجالات الوحي من أوائل شبابهم إلى أواخر كهولتهم ، من العبادة والرياضات النفسية إلى مقارعة الطغاة والظالمين ، كما في إبراهيم حين قام على الرغم من صغر سنه ، وكما في يوسف في بيت من تملّكه ، وكما في موسى في مصر الفراعنة ، والمسيح في بني إسرائيل ـ عليهم السلام أجمعين ـ وكما في النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ في عامة فترات حياته .
فهذه العوامل الداخل بعضها في الاختيار ، والخارج بعضها الآخر عنه ، أوجدت مجتمعة في الأنبياء القابلية لإفاضة وصف العصمة عليهم ، فتكون العصمة عند ذاك مفخرة ً للمعصوم ، يستحق عليها التحسين والتبجيل .
يقول العلامة الطباطبائي : ( إن الله سبحانه خلق َ بعض َ عباده على استقامة الفطرة واعتدال الخِلقة ، فنشؤا من باديء الأمر بأذهان وقّادة ، وإدراكات صحيحة ، ونفوس طاهرة ، وقلوب سليمة فنالوا بمجرد صفاء الفطرة وسلامة
النفس ، من نعمة الإخلاص ، ما ناله غيرهم بالاجتهاد والكسب ، بل أعلى وأرقى ، لطهارة داخلهم من التلوّث بأوساخ الموانع والمزاحمات . والظاهر أن ّ هؤلاء هم المُخلَصُون لله في مصطلح القرآن .
وقد نص ّ القرآن الكريم على أن الله اجتباهم أي خلَقهُم ، قال تعالى : ( و اجتبيناهم وهديناهم إلى صراط ٍ مستقيم ) " 5 "
وقال : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ) " 6 " ) " 7 "
وما جاء في كلامه يشير إلى القابليات الخارجة عن الإختيار ، ولكن قد عرفنا أنّ هناك مقدّمات واقعة في اختيارهم فإذا انضمّت تلك إلى هذه ، تتحقّق الصلاحية المقتضية لإفاضة الموهبة الإلهية .
هذا وهنالك أجوبة أخرى على هذا التساؤل الذي يطرح نفسه على أذهان الكثيرين منّا .
وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين
( 1 ) تصحيح الاعتقاد ، ص 61 .
( 2 ) أمالي المرتضى ، ج 1 ، ص 148 .
( 3 ) سورة ص : الآيات 45 ــ 48 .
( 4 ) سورة الدخان : الآيتان 32 و 33 .
( 5 ) سورة الأنعام : الاية 87 .
( 6 ) سورة الحج : الآية 78 .
( 7 ) الميزان ، ج 11 ، ص 177 .